القائمة الرئيسية

الصفحات

مذاهب الاخلاق في الحضارات المختلفة

مذاهب الاخلاق في الحضارات المختلفة
مذاهب الاخلاق في الحضارات المختلفة 

مذاهب الاخلاق في الحضارات المختلفة 

إن الحضارة هي الشكل الأكثر أصالة وواقعية للمجتمع البشري، فهي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وتتكون من عناصر أربعة هي: الموارد الاقتصادية، النظم السياسية، التقاليد الخلقية، العلوم والفنون
إن المظاهر الحضارية لكل أمة هي نتائج ملائمة لمجموعة الأفكار والعقائد والتقاليد والعوامل النفسية المهيمنة عليها، وذلك لأن لكل حضارة من الحضارات الإنسانية أسس فكرية ونفسية، شكلت الدافع الرئيسي والقوة الموجهة والمحددة لنمط سيرها.
وقد سعى الفلاسفة بدورهم إلى وضع قوالب تصب فيها أخلاق الإنسان الفاضل على نحو ما تصوروه في ذلك الوقت، حيث كان ينظر إليه على أنه (مجموعة قوى ذات مطالب يناقض بعضها البعض، ويقوم بينها حرب شعواء لا تنتهي إلا بانتصار بعضها واستسلام البعض الآخر عنوة)، فقد كان الإنسان نفسه، كما ستقول الأديان فيما بعد، يتألف من جسد وروح، أما الجسد فهو الجانب المادي فيه، وأما الروح فهي الجانب المقدس، ومن هنا كانت المشكلة في أن يجعل الروح هي المسيطرة، وهي القائد، وأن يجعل العقل هو القاهر لكل نوازع الجسد.
أما إذا تساءلنا ما المقصود بسيادة العقل على النوازع الإنسانية؟ فالمقصود هو أن الأفراد والجماهير على السواء، يجعلون إرادتهم موجهة للخير المادي والروحي للكل وللأفراد الذين يتألف منهم الكل، أعني أن تكون أفعالهم أخلاقية، فالتقدم الأخلاقي إذن هو جوهر الحضارة حقاً، وليس له غير معنى واحد، أما التقدم المادي فهو أقل جوهرية، ويمكن أن يكون له أثر طيب أو سيء في تطور الحضارة، وهذا التصور الأخلاقي للحضارة سيبدو غريباً عند بعض الناس بوصفه عقلياً وعفى عليه الزمان، فالذي يتفق أكثر مع روح هذا العصر هو النظر إلى الحضارة على أنها مظهر طبيعي للحياة خلال التطور الإنساني، له تعقيداته المفيدة كل الإفادة.
تستهدف الأخلاق، بوجه عام، دراسة اتجاه الفاعلية البشرية للكشف عن المبادئ والقيم، التي تحدد السلوك وتدبره، فهي تتناول – مبدئياً – مسألة تنظيم الحياة تنظيماً عملياً، وتسعى إلى تبيان مغزى التجربة الإنسانية بالإضافة إلى كل فرد من الأفراد، فتعتبر الوجود الفردي - كل وجود - وجهة نظر معينة تمس الواقع في الواقع، وتبدو في حالة تأليف يشمل ظروفاً يطبعها الشخص الأخلاقي بطابعه، فتغدو الأخلاق، أخلاق المرء، تعبيراً عن ذاته من خلال جريان الحوادث، وتتعين رسالة الأخلاق في فهم الأشكال المختلفة التي تحقق هذا التعبير.
بيد أن الأخلاق تجنح إلى الحكم على أشكال السلوك الكثيرة المتفاوتة، فتحبذ موقفاً من المواقف وتستحسنه، وتذم موقفاً آخر وتستقبحه، تأمر وتنهى، تبيح وتمنع، فتحدد بوجه الإجمال أنماط السلوك تحديداً منهجياً واعياً.
أما لو تساءلنا كيف حدث أن فقدنا فكرة أن الأخلاق لها أهمية وقيمة حاسمة بوصفها جزءاً من الحضارة؟ يكون الجواب أن كل محاولات التحضر كانت حتى الآن عمليات تعمل فيها قوى التقدم في كل مرفق من مرافق الحياة؛ فتوالي الإنجازات الكبرى في الفن والمعمار والإدارة والاقتصاد والصناعة والتجارة كانت تدفعها قوة دافعة روحية أنتجت تصوراً أعلى للكون. وكل جزء أصاب مد الحضارة ظهر في النواحي المادية، كما ظهر في النواحي الأخلاقية والروحية، وفي الأولى أبكر منه في الثانية، ففي الحضارة اليونانية حدث توقف مبكر منذ زمن أرسطوطاليس، توقف في العلم والسياسة غير مفهوم، بينما لم تبلغ الحركة الأخلاقية تمامها إلا في القرون التالية، وذلك بما قامت به الفلسفة الرواقية من عمل عظيم في التربية، والرواقية ليست من وضع مفكر واحد، بل هي مذهب تكوّن مع الزمن ووضع أسسه زينون السبتي.
للمذهب آراء منطقية وما ورائية وطبيعية، ولكن الأخلاق هدفه الأسمى، وليس للموضوعات الأخرى من قيمة إلاّ بقدر ما تتعلق بالأخلاق

القاعدة الخلقية الأولى 

هي أن يعيش الإنسان وفقاً للطبيعة، وبما أن الطبيعة والعقل شيء واحد، فغاية الأخلاق أن يجعل الإنسان العقل مسيطراً على سلوكه، والشهوات تنافي العقل، فالحياة الخلقّية تفرض محاربة الشهوات واستئصالها.
والسعادة القصوى تكون في(الطمأنينة)، و(السلام الداخلي)، و(عدم الاضطراب النفسي)، و(الصفاء التام).
وللاضطراب سببان: أن نحرم ما نشتهيه، وأن يحدث ما نخشاه، وبإمكاننا أن نزيل هذين السببين لنعيش سعداء.
فالأسس الفكرية عند اليونان الإغريق قائمة على تمجيد العقل، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس، إذ أثمرت لهم خلال قرون علوماً فلسفية ورياضية ونفسية وطبية وفنوناً جمالية مختلفة.

أما الأسس الفكرية 

عند اليونان فقد كانت قائمة على تمجيد القوة، والرغبة ببسط السلطان الروماني على الشعب، لذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس، إذ أثمرت لهم خلال قرون إعداد أجسام قوية، وجيوش متقنة البناء، جيدة الاستعدادات والتدريبات الحربية، وهذه القوة بدورها أورثتهم سلطاناً ممتداً في الأرض على شعوب كثيرة، انتصروا عليها واستعمروها واستغلوا خيراتها، كما أن هذه الأسس قد أثمرت لهم اشتراع مجموعة من القوانين والتنظيمات الدينية والعسكرية.
وعلى الرغم من أنه قد توالى على حكم الإمبراطورية الرومانية حكام على كفاية ممتازة فإن هذه الإمبراطورية قد سقطت، ويمكن أن يرجع سبب سقوطها في النهاية إلى كون الفلسفة القديمة لم تنتج نظرية في الكون، فيها من الأفكار ما يعمل على بقاء الإمبراطورية والمحافظة عليها، فبقيام مذهب الرواقية كنتيجة نهائية للتفكير الفلسفي القديم، تقرر مصير الشعوب القاطنة على شواطئ البحر المتوسط؛ ذلك لأن التفكير القائم على الاستسلام (وهو ما يقوم عليه المذهب الرواقي)، مهما يكن سموه، فإنه لا يكفل تحقيق التقدم في إمبراطورية عالمية واسعة، لهذا ضاعت محاولات أقوى أباطرتها سدى، إذ كانت الخيوط التي عليهم أن ينسجوا بها خيوطاً فاسدة.
ولما كانت أسسهم الفكرية والنفسية غير شاملة لحاجات الحياة كلها، لم تستطع حضارتهم أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
أما في الحضارة الهندية، فقد كانت الأسس الفكرية عند الهنود قائمة على تمجيد القوى الروحية، وتنميتها بقهر مطالب الجسد وكبت غرائزه، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس، إذ أثمرت لهم خلال قرون مجموعة كبيرة من التعاليم الروحية التي أخذت بتطاول الأمد صبغة ملل ونحل وديانات، ووجهتهم للتعلق بالعلوم الروحانية المختلفة كالسحر وفنون الحيلة الخادعة للحواس، التي تعتمد على التلاعب بها والتأثير على النفوس من ورائها، وقد امتازت الحياة الخلقية عند الهنود بما يسمى (نظام الطبقات) فإذا ما انقرض من الهند هذا النظام، تحتم أن يطرأ على الحياة الخلقية فيها طور طويل الأمد تسوده الفوضى، لأن التشريع الخلقي في هذه البلاد قد ارتبط بنظام الطبقات ارتباطاً يكاد لا يكون له فصام، والأخلاق عندهم هي (ذارما)، أي أنها قواعد السلوك في الحياة لكل إنسان كما تحددها له طبقته، فأن تكون هندوسيّ المذهب، فليس معنى ذلك اعتناقك لعقيدة بقدر ما هو اتخاذك مكاناً معيناً في نظام الطبقات، وقبولك (الذارما) أي الواجبات التي تترتب على مكانك ذاك، وفق ما تقضي به التقاليد والقوانين، ولكل مكان من ذلك النظام التزاماته وقيوده وحقوقه.
ويجب أن يقنع كل شخص بما قسم له، وألا يخطر ببال أحد أن يجاوز حدود طبقته إلى طبقة أخرى جاء في كتاب (بهاجافادجيتا): (خير لك أن تؤدي عملك المقسوم لك أداءً سيئاً من أن تؤدي عملاً مقسوماً لغيرك أداءً حسناً
بقلم/ حبيبه السيد
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات