امرأة العزيز
كان الذي اشتري يوسف عليه السلام وزيراً ملك مصر وكان شديد الفرح به حيث أنه لم يرزق بأولاد فأخذه إلي زوجته وطلب منها رعايته والاهتمام به فقد رأي علي وجهه السعادة والخير والبركة وقال الوزير لزوجته " هذا غلام يخيل إلي من ملامحه وهدوء طبعه أنه نبيل الفطرة عالي الأخلاق ، كريم النسب ، شريف المنبت ، فأكرمي مثواه ومدي له أيادي الرعاية والعطف والحنان وأحذرك من معاملته معاملة العبيد وإياك أن تزجريه زجر الخدم ، أو تهينيه أو تجرحي مشاعره وأحاسيسه فإنني أرجو إذا شابَّ عن الطوق و بلغ مرحلة النضج أن ينفعنا أو نتخذه ولداً "ومرت الأيام ويوسف يعمل في القصر ووجد فيه الوزير الأمانة والصدق فتعلق به وأصبح يوسف حديث الناس في كل مكان ويشار له بالبنان فهو حديث المحبة والتقدير
وبلغ يوسف الشباب فكان كالقمر منيراً وكالأنبياء خلقاً وحكمة ونقاءً
وكانت امرأة العزيز تراقب يوسف يومًا بعد يوم وازداد إعجابها به لحظة بعد أخرى وسولت لها نفسها الاقتراب منه فهي الأنثي ذات الجمال وكان زوجها قد تقدمت به السن وعلت التجاعيد وجهه فبدأت تظهر له هذا الحب بطريق الإشارة إلي أن غلب الحب عقلها وباتت أسيرة عواطفها تجاهه لكن يوسف -عليه السلام- كان يعرض عنها ويتغافل عن أفعالها فأخذت المرأة تفكر كيف تغري يوسف بها
وذات يوم، انتهزت فرصة غياب زوجها عن القصر فتعطرت وتزينت ولبست أحسن الثياب وغلقت الأبواب ودعت يوسف حتى أدخلته حجرتها وطلبت منه أن يفعل معها الفاحشة
لكن يسوف بعفته وطهارته امتنع عما أرادت.ورد عليها ردًّا بليغًا فقال " قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ "
وقال لها : إني ألجأ إلي الله ليحميني من الإثم وكيف أخون زوجك الذي أكرمني وجعلني أعيش عيشة الملوك وأنعم بالغني والترف والسعادة ، إن الذين يقابلون المعروف بالإساءة والإحسان بالجحود لا يفوزون إلا بالخزي والعار "
ولكنها لم تكترث بأي شئ سوا غرائزها ونزوتها وكادت تبلغ غايتها وتنجح في تحقيق هدفها لولا أن أنار الله قلب يوسف ومنعه من ارتكاب المعصية
ثم أسرع يوسف -عليه السلام- ناحية الباب يريد الخروج من المكان لكن امرأة العزيز لم تدع الفرصة تفوتها فجرت خلفه لتمنعه من الخروج وأمسكت بقميصه فتمزق من الخلف
وفجأة حضر زوجها العزيز وتأزم الموقف وزاد الحرج لكن امرأة العزيز تخلصت من حرج موقفها أمام زوجها واتهمت يوسف بالخيانة ومحاولة الاعتداء عليها وقالت لزوجها " مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "
فحرضت زوجها عليه واستغلت الفرصة للانتقام من يوسف ظلماً
لكن يوسف تمالك نفسه ووقف أمام العزيز يدافع عن نفسه وأخبره أنها هي من أغرته وحاولت خيانة زوجها إلا أنه امتنع وحاول الهروب
وبينما هما يتجادلان حضر أحد أقارب الزوجة فاحتكم الزوج إلىه فقال الرجل من غير تردد انظروا: "إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين"
فالتفت الزوج إلى امرأته وقال لها:"إنه من كيدكم إن كيدكن عظيم "
ثم طلب العزيز من يوسف أن ينسي هذا الموضوع ولا يتحدث به أمام أحد ثم طلب من زوجته أن تستغفر من ذنبها وخطيئتها
واتفق الجميع على أن يظل هذا الفعل سرًّا لا يعرفه أحد ومع ذلك فقد شاع خبر مراودة امرأة العزيز ليوسف وطلبها للفاحشة
وانتشر في القصر وتحدث نساء المدينة بما فعلته امرأة العزيز مع فتاها وعلمت امرأة العزيز بما قالته النسوة عنها فغضبت غضبًا شديدًا وأرادت أن تظهر لهن عذرها وأن جمال يوسف وحسن صورته هما اللذان جعلاها تفعل ذلك فأرسلت إليهن وهيأت لهن مقاعد مريحة وأعطت كل واحدة منهن سكينا ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن
فخرج يوسف متمثلاً لأمر سيدته فلما رآه النسوة انبهرن بجماله وحسنه وقطعن أيديهن دون أن يشعرن بذلك وظن جميع النسوة أن الغلام ما هو إلا ملك ولا يمكن أن يكون بشرًا
ولما أيقنت امرأة العزيز أن المدعوات شاركنَّها في إعجابها بيوسف شعرت بالزهو والتكبر مما جعلها تبوح بمكنونات نفسها
فقالت لهن " فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ "
وما كان من يوسف عليه السلام إلا أنه توجه إلي الله تعالي وتضرع له أن يبعد عنه كيد النساء وقال " قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ "
وكادت تحدث فتنة في المدينة بسبب عشق النساء ليوسف فرأى القائمون على الأمر في مصر أن يسجن يوسف إلى حين فسجنوه وظل يوسف -عليه السلام- في السجن فترة ودخل معه السجن فتيان أحدهما خباز والآخر ساقي ورأيا من أخلاق يوسف وأدبه وعبادته لربه ما جعلهما يعجبان به فأقبلا عليه ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما
" قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ"
ففسر لهما يوسف رؤياهما بأن أحدهما سيخرج من السجن ويرجع إلى عمله كساق للملك وأما الآخر وهو خباز الملك فسوف يصلب.وتأكل الطير من رأسه
وبمرور فترة من الزمن تحقق ما فسره لهما يوسف
وفي يوم من الأيام رأي الملك روية أفزعته وظل يفكر فيها ويسأل العلماء ولكنه لم يجد تفسير حتي فسرها له يوسف عليه السلام فذهب رسول الملك إلى يوسف وقال له: أجب الملك فإنه يريد أن يراك ولكن يوسف رفض أن يذهب إلى الملك قبل أن تظهر براءته ويعرف الملك ما حدث له من نساء المدينة
فأرسل الملك في طلب امرأة العزيز وباقي النسوة وسألهن عن الأمر فقلن معترفات بذنوبهن مقرَّات بخطئهن ومعلنات عن توبتهن إلى الله وأظهرت امرأة العزيز براءة يوسف أمام الناس جميعًا
عندئذ أصدر الملك قراره بتبرئة يوسف مما اتهم به فأخرجه من السجن وقربه منه وجعله علي خزائن الأرض
وهكذا استرد الله تعالي له حقه
بقلم/ جهاد مصطفي
تعليقات
إرسال تعليق